3 مليارات و100 مليون جنيه تم إخفاؤها فى حسابات سرية لـ«نجلى مبارك» ببنك «كريدى سويس
وكانت الصحيفة قد انفردت منذ أسبوعين بنشر وقائع «فضيحة بنك HSBC» السويسرى، الذى ثبت تورطه فى إخفاء وتهريب أموال طائلة لعدد كبير من الشخصيات فى معظم دول العالم، بينهم مسئولون ورجال أعمال عرب ومصريون.
وحرصاً من «الوطن» على ولائها التام للقارئ المصرى، الذى يملك وحده حق الحصول على الحقيقة كاملة، وبالتوثيق والتدقيق والمعلومات الثابتة، تنفرد «الوطن»، اليوم، بالكشف الأخطر عن الحسابات السرية لجمال وعلاء مبارك، نجلى الرئيس الأسبق، فى واحد من أكبر بنوك سويسرا، وهو الملف الذى حصلنا عليه من داخل البنك، ويتضمن تفاصيل دقيقة، ربما لم يصل بعضها لسلطات التحقيق فى مصر.
تكشف أوراق الملف أن جمال وعلاء مبارك يمتلكان حسابات سرية فى بنك «كريدى سويس» السويسرى، الذى يوفر لعملائه -بالإضافة إلى سرية الحسابات التى يضمنها القانون السويسرى- خدمات تشبه تلك التى يوفرها بنك «HSBC» السويسرى، سواء إخفاء مصادر الأموال، والتهرب من الضرائب، وخلافه.
حسابات «جمال» و«علاء» السرية فى «كريدى سويس» تبلغ 357 مليون يورو، أى ما يعادل 3 مليارات و100 مليون جنيه مصرى، وهى حسابات تم فتحها وتغذيتها بالأموال على فترات عدة، بدءاً من عام 2003، وتلقت هذه الحسابات تحويلات مالية وإيداعات من صناديق وشركات «أوف شور» بهدف إخفاء مصادرها، وضمان عدم قدرة الأجهزة والسلطات القانونية على تتبُّعها.
جمال وعلاء عرضا إعادة 200 مليون يورو لـ«مصر» مقابل تنازل الحكومة عن القضية و157 مليون يورووحاولت السلطات المصرية منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وحتى الآن، استعادة الأموال الموجودة فى حسابات «جمال» و«علاء» ببنك «كريدى سويس» السويسرى، دون جدوى، وبررت السلطات السويسرية رفضها الإفصاح عن تفاصيل الحسابات أو إعادتها لمصر بعدم صدور أحكام قضائية نهائية ضد نجلى الرئيس، كما طالبت السلطات المصرية -فى خطابات متبادلة- بأن تكون المحاكمات فى «أجواء طبيعية»، فضلاً عن رفضها التعاون مع المسئولين عن التحقيقات فى جهاز الكسب غير المشروع المصرى.
وتؤكد أوراق التحقيقات أن علاء مبارك يملك فى حساباته السرية بالبنك حوالى 298 مليون يورو، بينما تضم حسابات «جمال» 59 مليون يورو، والمفاجأة أن بعض التحويلات للاثنين جاءت من شخصيات خليجية؛ إذ تكشف المعلومات من داخل البنك أن شخصية خليجية بارزة أرسلت تحويلاً واحداً لنجلَى «مبارك» بقيمة 62 مليون يورو، دخل حساباتهما فى «كريدى سويس»، وتضمن التحويل الضخم عبارة غامضة حول أسباب ومصدر التحويل، هى «مقابل استشارات مالية».. وهو ما يوجه أصابع الاتهام للبنك السويسرى بالتورط فى تسهيل تهريب وإخفاء الأموال ومصادرها، بهدف إعاقة عمليات التتبُّع والاستعادة.
ويتضمن ملف التحقيقات أن هذه المبالغ تم إيداعها وتحويلها فى بنك سويسرى واحد، ويرجِّح مسئولو التحقيقات فى جهات الكسب غير المشروع المصرى وجود حسابات سرية أخرى لعائلة الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى بنوك سويسرية أخرى، ترفض «جنيف» الكشف عنها، وأكدت المصادر أن السلطات السويسرية تحفظت على أموال عدد كبير من رموز نظام «مبارك» عقب ثورة يناير مباشرة، بينهم نجلا «الرئيس الأسبق»، ونص قرار التحفظ على تجميد هذه الحسابات لمدة ثلاث سنوات، انتهت العام الماضى، وتلقت السلطات المصرية خطاباً من نظيرتها السويسرية تطالب فيه بضرورة الانتهاء من التحقيقات والمحاكمات القضائية فى قضية تهريب الأموال، وحذرت بعدم تجديد ومد فترة التحفظ لثلاث سنوات أخرى، كانت مصر قد طالبت بها، وهو ما يعنى أن النائب العام السويسرى سيكون مضطراً لفك التحفظ، وإتاحة الأموال المودعة فى بنوك سويسرا لأصحابها من رموز نظام «مبارك».
وحصلت «الوطن» على تفاصيل الملف الأخطر فى قضية أموال «نجلى مبارك»، إذ كشفت مصادر سياسية وقضائية بارزة عن مفاوضات سرية أجراها محامون مصريون وشخصيات مقربة من «عائلة مبارك» نهاية عام 2013 مع السلطات القضائية المصرية، للتصالح فى قضية «أموال جمال وعلاء» فى بنك «كريدى سويس» السويسرى، وأضافت لـ«الوطن» أن المفاوضات استمرت عدة أشهر، وعرض خلالها «جمال وعلاء مبارك» التنازل عن 200 مليون يورو فى حساباتهما السرية، على أن تتخلى مصر عن المطالبة بمبلغ 157 مليون يورو، وإغلاق ملف التحقيقات، ووصلت المفاوضات بين الطرفين إلى «شبه اتفاق»، حيث أبدى مسئولون مصريون موافقتهم المبدئية، وطلبوا من فريق التفاوض عن «جمال وعلاء» مهلة لعرض الأمر على القيادة السياسية والأجهزة السيادية بالدولة.
«المفاوضات» وصلت إلى «شبه اتفاق».. ولكن «السيسى» رفض مؤكداً: «ليس من حقنا التنازل عن أموال الشعب»وأوضح مصدر بارز -أحد أعضاء فريق التفاوض وطلب عدم ذكر اسمه- أن تقريراً سرياً حول تفاصيل المفاوضات تم رفعه للرئيس عبدالفتاح السيسى فور تسلمه لمهام منصبه رئيساً للجمهورية، كما تلقى جهاز سيادى بارز نسخة من التقرير، وأشار المصدر إلى أن الرئيس «السيسى» رفض المصالحة، كما أوصى الجهاز السيادى بالرفض، وأبلغ رئيس الجمهورية سلطات التحقيق حرصه التام على عدم التدخل فى القضاء، وأكد أن هذه التسوية ليست قانونية ولا قضائية، وإنما ينطبق عليها مفهوم «الصفقة السياسية»، مما يجعل الأمر ضمن اختصاصات الحكومة والأجهزة السياسية، موصياً برفض «الصفقة»، انطلاقاً من عدم أحقية أحد مهما كانت صلاحياته التنازل عن أموال يملكها الشعب المصرى، مما دفع فريق التفاوض عن الجانب المصرى لإبلاغ الطرف الآخر رفض الحكومة المصرية إبرام المصالحة، والاستمرار فى التحقيقات والمحاكمات القضائية، والضغط على السلطات السويسرية لإعادة الأموال المهربة.
وشهدت التحقيقات التى يجريها المستشار أسامة أبوصافى، رئيس هيئة الفحص والتحقيق بجهاز الكسب غير المشروع، خلافات حادة بين جهاز التحقيقات وفريق الدفاع عن «جمال وعلاء مبارك»، حيث طلب المحامى البارز فريد الديب رد قاضى التحقيق، وتم قبول طلب الرد، غير أن «أبوصافى» عاد مرة أخرى لاستئناف التحقيقات فى القضية.
وربطت ملفات قضية تتبع واستعادة الأموال المهربة للخارج، بين قضيتى أموال «نجلى مبارك» وأموال رجل الأعمال الهارب «حسين سالم»، الذى رفضت السلطات السويسرية الكشف عن حساباته السرية أو معاونة مصر فى التحقيقات.. وتنفرد «الوطن» بنشر النص الكامل لآخر خطاب رسمى تلقاه النائب العام المصرى من نظيره السويسرى بتاريخ 8 أكتوبر 2014 وحصلنا على نسخة منه.. وجاء نصه كالتالى:
إلى معالى السيد النائب العام المحترم،
سيدتى، سيدى:
أدير تحقيقاً جنائياً موجهاً، لا سيما ضد حسين كمال الدين إبراهيم سالم، تحت تهمة المشاركة أو الدعم لمنظمة إجرامية، طبقاً لأحكام (المادة 260 مكرر ثالثاً من قانون العقوبات السويسرى) وتهمة غسل الأموال طبقاً لأحكام (المادة 305 مكرر من قانون العقوبات السويسرى).
وبناءً على المعلومات التى تحصلت عليها فى إطار هذا التحقيق، قد تبين لى أن حسين كمال الدين إبراهيم سالم هو موضوع عدة تحقيقات قضائية فى مصر والهدف من هذا الطلب هو توضيح هذه الوضعية، وإذا اقتضى الأمر الحصول من سعادتكم على تأكيد لما تم ذكره أعلاه.
وعليه أرجوكم إفادتى بالمعلومات التالية:
- هل لا يزال حسين كمال الدين إبراهيم سالم ملاحقاً جنائياً، وهل ما زالت هناك دعاوى قضائية مفتوحة ضده فى مصر؟
- فى حالة الإيجاب، أرجوكم إفادتى بأسباب وحال هذه المتابعات القضائية إلى حد اليوم، كما أشكركم مسبقاً على إفادتى بنسخة من القرارات الصادرة ضده، بما فى ذلك قرارات النقض المحتمل وجودها.
- كما أشكركم على إبلاغى إذا كان حسين كمال الدين إبراهيم سالم متابعاً خصيصاً بتهمة الفساد، إذا كان الجواب بالإيجاب فمنذ متى؟
- كما تبين لنا من خلال ملف المتابعة السويسرى أن هناك قضيتين مفتوحتين، لا سيما ضد حسين كمال الدين إبراهيم سالم فى إطار عقد تصدير الغاز والمعروفتين عند العموم، القضية الأولى (قضية القرن Case of the Century) والقضية الثانية (قضية الغاز Gas Cas).
حيث إن هاتين القضيتين قد وصلتا إلى مستوى إعادة المحاكمة بسبب النقض، وحيث إنه قد تم تشكيل لجنتين تقنيتين من الخبراء من طرف المحاكم فى هيئاتها الجديدة التى تكوّنها، لكى تقوم بالتحليل والتدقيق فى تقارير حول ثمن بيع الغاز، وعليه أرجوكم للضرورة أن ترسلوا إلى السلطات السويسرية نسخة من هذه التقارير المذكورة سابقاً فى لغتها الأصلية.
- أشكركم كذلك على إخطارى ما إذا كانت السلطات المصرية المختصة قد أمرت باتخاذ تدابير إجبارية ضد حسين كمال الدين إبراهيم سالم، بما فى ذلك وضع ممتلكاته تحت الحراسة.
- فى حالة النفى، إذا لم تكن هناك أى متابعة قضائية قائمة، ولا أى قضية مفتوحة، فأنا شاكر لكم على إفادتى بنسخة من كل القرارات المحتمل وجودها، والتى تضع حداً للمتابعة.
حيث إن كل المعلومات والوثائق المطلوبة سيتم استعمالها لتحديد ما إذا كان الحجز بسويسرا يبقى عليه أو يرفع، وكذلك لتحديد الإجراءات التى تُتخذ فى القضايا المفتوحة فى سويسرا ضد حسين كمال الدين إبراهيم سالم، هل يتم الاستمرار فيها أم تحفظ؟
من واجب السلطات القضائية السويسرية احترام مبدأ السرعة فى سير الإجراءات الجزائية، وعليه فهى تلتمس من السلطات المصرية أن تقدم المعلومات والوثائق المطلوبة فى أقرب وقت ممكن، وذلك فى أجل لا يتعدى 60 يوماً منذ تاريخ تسلم هذا الطلب.
وأخيراً أشكركم جزيل الشكر على تعاونكم
تقبلوا منى معالى السيد النائب العام الفاضل، سيدتى، سيدى، فائق التقدير والاحترام
النيابة العامة للكونفيدرالية السويسرية
باتريك لامون
رئيس النواب الفيدراليين
إرسال تعليق