كان الجميع يستغرب من أنها شديدة الجمال والأناقة، وفى الوقت نفسه هى أم وزوجة ناجحة. على أساس أن المرأة الناجحة لا بد أن تكون مهملة فى مظهرها، والتحدى الآخر هو إصرار والدى على الهجرة إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه، وكذلك لحالته الصحية التى تحتم وجوده هناك، لكن أمى أصرت على عدم الهجرة لتربيتى أنا بالذات فى المناخ الشرقى، لقلقها علىّ من المجتمع المتفتح، ورفضت الهجرة، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فهو الموقف نفسه الذى تعرّضت له فى عصر الإخوان، فكان نفس الموقف ورفضت أن أترك مصر..
أعود لأمى، فبعد رفضها الهجرة، أصبحت أباً وأماً لشاب فى سن المراهقة وطفلة محتاجة إلى كل الرعاية، ومسئولية عملها وإدارة المدارس الخاصة، والتحدى الآخر هو التحاقى بالمدرسة فى سن صغيرة جداً، الجميع تحداها، لكن كعادتها نجحت وتخرجت فى الجامعة وأنا عمرى ١٩ عاماً، وبتقدير جيد جداً.. وأتذكر موقفاً طريفاً، حيث قمت بامتحان الابتدائية، وأثناء توصيلى للامتحان فى مدرسة أخرى اكتشفت أن جدول الامتحان خطأ، وأنها لم تقم بمراجعة العربى، فبعد امتحان المادة الأولى وأثناء وجودى فى فناء المدرسة سمعت صوت أمى تنادينى وبدأت البحث عن مصدر الصوت، فإذا بأمى تختبئ فى عشة خاصة بالمدرسة لتتمكن من الوصول إلى وعمل مراجعة للعربى..
أمى التى علمتنى معنى التسامح، فرغم أننى ملتحقة بالمدرسة المالكة لها إلا أننى كنت التلميذة الوحيدة المسيحية، وكنت أدرس الدين الإسلامى، وعندما وصلت إلى الشهادة الابتدائية، كان أول امتحان لى فى الدين المسيحى..
هذه هى أمى التى لا يكفى كتابة كتب عنها وعن شخصيتها، فرغم كل التحديات، فإنها نجحت فى مواجهة الكثير من الصعوبات، فابنها حصل على أعلى الشهادات فى السياحة، وأصبح يملك عدداً من المطاعم بأمريكا، وأنا أصبحت ممثلة معروفة، رغم رفضها الشديد مجالى الذى تعتبره غير مجدٍ ومزعج، فالحساب الوحيد لى هو مالها الخاص، ولم تكتفِ بذلك، بل قامت بتأمين مستقبل أولادى، وخلافاتى اليومية معها بسبب أمنيتها أن أعتزل وأستمتع بحياتى مع أطفالى..
هذه هى أمى.. وكبقية العالم تأثرت كثيراً بحادث شهداء ليبيا وذهبت إلى تعزية أسر الشهداء، لكن وأنا فى الطريق انتابنى شعور غريب جداً.. الجذور.. الوطن.. مسقط رأس أمى وأبى، وتذكّرت أن أمى من المنيا، وكذلك أبى، وانتابنى الفضول الشديد لرؤية منزلها الذى طالما كانت تروى لنا أنه على شكل المنزل المطل على النيل وقصر جدتى المسكون الذى طالما أسمع عن أن به أرواحاً شريرة وأن بالمنزل كنزاً والكثير من الحواديت، وبالرغم من إتقان أمى وخالاتى اللغة الفرنسية والإيطالية إلا أنهن عند أول لقاء لهن يبدأن فى الكلام باللغه الصعيدية وتعطيش «الچيم».. وأنا فى طريق المنيا، شعرت بالحنين إلى الوطن، إلى حضن الأم، الأم الكبيرة، مصر، أشعر بالسعادة فى عيد الأم هذا العام لوجود أمى معى، وعودة الأم الكبيرة مصر..
بحبك يا أمى، فأنتِ أهم شخصية فى حياتى، فأنتِ سندى فى هذه الدنيا الصعبة، وباحبك يا ماما، يا أَمّة، يا اَمّاتى، وكل سنة وأنتِ بألف خير.
إرسال تعليق